
ترجمة خاصة - شبكة قُدس: انتقد المحلل السياسي الإسرائيلي رونين برغمان الطريقة التي يدير بها بنيامين نتنياهو وحكومته مفاوضات صفقة تبادل الأسرى، مسلطًا الضوء على حجم التناقضات والمماطلة المقصودة في قرارات المستوى السياسي.
فبحسب شهادات أربعة مسؤولين كبار في حكومة الاحتلال والجيش وأجهزة الاستخبارات، يبقى القرار الفعلي بيد شخصين فقط: نتنياهو والوزير للشؤون الاستراتيجية ورئيس فريق المفاوضات رون ديرمر. غير أن ما يفكران به يظل مجهولًا، إذ في الوقت الذي تُحضّر فيه "إسرائيل" لعملية برية واسعة في غزة، لا تزال تتردد في إعطاء رد واضح، مع احتمال إرسال وفد إلى الدوحة قريبًا. كل الأوساط المهنية تؤيد الصفقة الجزئية وتؤكد أنها قابلة للتنفيذ فورًا إذا منح نتنياهو الضوء الأخضر.
أحد كبار مسؤولي الاستخبارات لدى الاحتلال وصف الوضع بـ”معادلة ذات مجهولين”، مشيرًا إلى أن صفقة جزئية يمكن أن تقود لاحقًا إلى حل شامل، لكن هذا يتوقف على تدخل “مجهول ثالث” هو دونالد ترامب، القادر على دفع نتنياهو نحو إغلاق الملف. وقد توقّع مسؤول بارز في المؤسسة الأمنية للاحتلال طرح الوسطاء مقترحًا جديدًا يجمع بين الجزئي والشامل، ورجّح موافقة حماس عليه. ومع إعلان الحركة بالفعل قبولها، بات الأمر كله بيد نتنياهو وديرمر. وبحسب المسؤول ذاته، فقد أبدت حماس مرونة كافية تسمح بالتوصل إلى اتفاق، لكن إن أراد نتنياهو التهرب فما عليه سوى الادعاء بأنها “صفقة جزئية”.
برغمان يربط هذا المشهد بما وثقه خلال الحرب، من أن وعود الحكومة المتكررة حول “أسبوع حاسم” لم تكن سوى تضليل، بينما كان بوسع نتنياهو إنجاز صفقة لو أراد دفع ثمنها السياسي. فإسرائيل وحماس اليوم أمام خيار واحد مؤقت هو الصفقة الجزئية، ومع ذلك يحاول نتنياهو تكريس موقف مغاير: لا صفقة إلا شاملة. هذا التحول يعكس سعيه لاستخدام الورقة التفاوضية لابتزاز مزيد من التنازلات من حماس، خاصة في قضايا جرى التوافق على معظمها، مثل انسحاب القوات، وصيغة ويتكوف التي تشمل إطلاق عشرة أسرى أحياء وقرابة عشرين جثة، ووقف إطلاق نار لمدة ستين يومًا، وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين بينهم محكومون بالمؤبد. بينما تطالب حماس بضمانات تواصل التفاوض بعد انقضاء فترة الهدنة.
ورغم أن الإعلام الإسرائيلي يصوّر حماس كمعرقلة، يوضح برغمان أن نتنياهو تمسّك بصيغ متدرجة تسمح له بالمناورة والتملص، بينما بقيت حماس مصرة على صفقة نهائية. والأدهى أنه بعد أن قدّم نتنياهو نفسه مدافعًا عن الصفقات الجزئية، عاد ليعتبرها خطأ، في انعكاس لرغبته المستمرة في إبقاء الحرب مفتوحة لا إنهاءها. هذا ما تؤكده نصوص قرارات الكابينت التي تشترط القضاء التام على حماس قبل أي انتقال مدني للسلطة، وهو مسار قد يمتد من ثلاث إلى خمس سنوات على الأقل.
رد حماس الأخير وضع نتنياهو في مأزق، إذ كشف عن مرونة كافية تنقل العبء إلى الجانب الإسرائيلي، فاختار نتنياهو وديرمر التلاعب بالغموض. وحتى إذا أُعلنت صفقة فستظل جزئية. برغمان يستحضر المقولة التلمودية “من أنقذ نفسًا كأنما أنقذ العالم كله”، لكنه يورد أيضًا تحذيرات قادة سابقين في هيئة الأركان للاحتلال من أن الاكتفاء بصفقة جزئية يعد “جريمة ضد الأسرى”. فالخطر قائم أن أي عملية عسكرية في غزة ستؤدي إلى مقتلهم، بينما تتحمل "إسرائيل" مسؤولية إضافية بعد أن قتل 40 من أسراها بفعل عملياتها العسكرية والمماطلة.
تاريخ المفاوضات يعكس نمطًا ثابتًا: نتنياهو يفضل الحرب على أي مسار للتسوية. ففي يناير أجبره مبعوث ترامب على سحب شروط تعجيزية كان أضافها، لكن الإدارة الأميركية الجديدة تركت له مساحة للمناورة، فأجهض ديرمر حتى مبادرة لفتح قناة سرية مع حماس، وأدت خروقات متكررة للهدن إلى عمليات عسكرية مثل “مركبات جدعون” التي فشلت في تحقيق أهدافها.
وحتى حين قررت "إسرائيل" التوجه لاحتلال مدينة غزة ذاتها، عاد السؤال القديم: كيف يمكن القول إن حماس انهارت، بينما تتكرر الحاجة لاقتحام خان يونس أو رفح أو غزة من جديد؟ التقديرات الاستخباراتية نفسها تكشف المفارقة: رغم إعلان استشهاد عشرات الآلاف من مقاتلي حماس والجهاد، لا تزال الأعداد شبه ثابتة كما كانت عند بداية المناورة البرية.
في نهاية المطاف، يقدم برغمان خلاصة قاسية: "إسرائيل" تدور في حلقة مفرغة، الأسرى يدفعون ثمن المماطلة، وحماس تكسب أوراق ضغط جديدة، بينما يصر نتنياهو على هدير الحرب كخيار مفضل على مواجهة مسؤولياته السياسية.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا